يوم الخميس

في ليلة خميسٍ وفي الثانية صباحًا تقريبًا، وفي بيت من الطوب اللبن الذي يهطل منه التراب كل يوم ليملأ الأرض الطينية، استيقظت الأم الأصيلة الخمسينية وعيناها ممتلئتان بالنوم، وأيقظت ابنتها العشرينية كي يُعِدّا سويًا سحور الأسرة المُكوَّن من فول وجِبْنة التموين، مع قليل من الجرجير الطازج، ثم أيقظت ابنها الأكبر _عشريني العمر_ وابنها الأصغر الذي مازال في الخامسة من عمره، وزوجها الرجل الستيني الذي تخبر تجاعيد وجهه بِكَمِّ المتاعب التي مر بها في حياته....

استيقظ الجميع وبدأوا يأكلون، وقد ذهب النوم من عينهم جميعا، وكلٌّ في كامل تركيزه، ما عدا الطفل الصغير الذي مازال في الخامسة من عمره، فقد كان يأكل وهو بالكاد يُبْصر الطعام الذي أمامه، وعيناه مليئةً بالنوم، وفي عُجَالة التقط لقمتين وأسرع يغسل يده؛ كي يخلد إلى مخدعه مرة إخرى... وإذا بأبيه ينظر إليه ويُحَدِّث نفسه قائلًا " يا بني إنني ما تركت لك بيتًا فارهًا، ولا أموالًا طائلة، ولا سيارات فاخرة، ولكنّي ورّثتك عزيمةً يفتقر إليها الرجال الشداد، والشباب الشمّ ممن لا يستطيعوا الصوم، ولا يقدروا على الانتصار على أنفسهم.

يبني تركت لك خير إرثٍ لخير دين.."